سورة القمر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوطٌ عليهِ السَّلامُ {بَطْشَتَنَا} أي أَخذتَنَا الشديدةَ بالعذابِ {فَتَمَارَوْاْ} فكذَّبوا {بالنذر} متشاكينَ {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} قصدُوا الفجورَ بهم {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} فمسحنَاها وسوَّيناها كسائرِ الوجهِ. رُويَ أنَّهم لَمَّا دخلُوا دارَهُ عنوةً صفقَهُم جبريلُ عليهِ السَّلامُ صفقةً فتركهُم يترددونَ لا يهتدونَ إلى البابِ حتَّى أخرجُهم لوطٌ عليه السَّلامُ {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي فقلُنَا لهُم ذُوقوا على ألسنةِ الملائكةِ أو ظاهرُ الحالِ والمرادُ به الطمسُ فإنَّه من جملةِ ما أُنذرُوه من العذابِ {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً} وقرئ: {بكرةَ} غيرَ مصروفةٍ على أنَّ المرادَ بها أولُ نهارٍ مخصوصٍ {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} لا يفارقُهم حتَّى يُسلمَهُم إلى النارِ. وفي وصفِه بالاسقرارِ إيماءٌ إلى أنَّ ما قبلَهُ من عذابِ الطمسِ ينتهِي إليهِ {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} حكايةً لما قيلَ لهم حينئذٍ من جهتِه تعالى تشديداً للعذابِ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} مرّ ما فيهِ من الكلامِ.
{وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} صُدِّرتْ قصتُهم بالتوكيدِ القسمِي لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بشأنِها لغايةِ عظمِ ما فيَها من الآياتِ وكثرتِها وهولِ ما لاقَوه منَ العذابِ وقوة إيجابِها للاتعاظِ. والاكتفاءُ بذكرِ آلِ فرعونَ للعلمِ بأنَّ نفسَه أَوْلى بذلكَ أي وبالله لقد جاءهُم الإنذاراتُ. وقولُه تعالَى {كَذَّبُواْ بئاياتنا كُلَّهَا} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من حكايةِ مجيءِ النذرِ كأنَّه قيلَ: فمَاذا فعلُوا حينئذٍ فقيلَ: كذَّبُوا بجميعِ آياتِنا، وهي الآياتُ التسعُ {فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ} لا يُغالبُ {مُّقْتَدِرٍ} لا يُعجزه شيءٌ.
{أكفاركم} يا معشرَ العربِ {خَيْرٌ} قوةً وشدةً وعُدّةً وعدةً أو مكانةً {مّنْ أُوْلَئِكُمْ} الكفارِ المعدودينَ والمَعُنى أنه أصابَهُم مَا أصابَهُم مع ظهورِ خيريتِهم منكُم فيما ذُكِرَ من الأمورِ فهلْ تطمعونَ أنْ لا يصيبَكُم مثلُ ذلكَ وأنتُم شرٌّ منهم مكاناً وأسوأُ حالاً. وقولُه تعالَى: {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى الزبر} إضرابٌ وانتقالٌ من التبكيتِ بما ذُكِرَ إلى التبكيتِ بوجهٍ آخرَ أيْ بلْ ألكم براءةٌ وأمنٌ من تبعاتِ ما تعملونَ من الكفرِ والمعاصِي وغوائلِهما في الكتبِ السماويةِ فلذلكَ تصرونَ على ما أنتُم عليهِ.


وقولُه تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} إضرابٌ من التبكيتِ المذكورِ إلى وجهٍ آخرَ من التبكيتِ. والالتفاتُ للإيذانِ باقتضاءِ حالِهم للإعراضِ عنهُم وإسقاطِهم عن رتبةِ الخطابِ وحكايةِ قبائِحهم لغيرِهم أي بلْ أيقولونَ واثقينَ بشوكتِهم نحنُ أولُو حزمٍ ورأيٍ أمرُنا مجتمعٌ لا نُرامُ ولا نُضامُ أو منتصرٌ من الأعداءِ لا نُغلبُ أو متناصرٌ بعضُنا بعضاً. والإفرادُ باعتبارِ لفظِ الجميعِ. وقولُه تعالَى: {سَيُهْزَمُ الجمع} ردٌّ وإبطالٌ لذلكَ، والسينُ للتأكيدِ أي يُهزم جمعُهم البتةَ {وَيُوَلُّونَ الدبر} أي {الأدبارَ} وقد قرئ كذلكَ. والتوحيدُ لإرادةِ الجنسِ أو إرادةِ أن كلّ واحدٍ منهم يولِّي دبرَه وقد كان كذلكَ يومَ بدرٍ. قال سعيدُ بنُ المسيِّبِ: سمعتُ عمَر بنَ الخطابِ رضيَ الله عنُهُ يقولُ: «لما نزلتْ {سُيهزمُ الجمعُ ويولونَ الدبرَ} كنتَ لا أدرِي أيَّ جمعٍ يُهزمُ فلمَّا كانَ يومَ بدرٍ رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يلبَسُ الدرعَ ويقولُ: {سُيهزمُ الجمعُ ويولونَ الدبرَ} فعرفتُ تأويلَها». وقرئ: {سَيهزمُ} الجمعَ أي الله عزَّ وعَلاَ {بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} أي ليسَ هَذا تمامَ عقوبتِهم، بلِ الساعةُ موعدُ أصلِ عذابِهم وهَذا من طلائعِه {والساعة أدهى وَأَمَرُّ} أي في أقصى غايةٍ من الفظاعةِ والمرارةِ. والداهيةُ الأمرُ الفظيعُ الذي لا يُهتدَى إلى الخلاصِ عنْهُ. وإظهارُ الساعةِ في موقعِ إضمارِها لتربيةِ تهويلها.
{إِنَّ المجرمين} من الأولينَ والآخرينَ {فِى ضلال وَسُعُرٍ} أي في هلاكٍ ونيرانٍ مسعرةٍ وقيلَ: في ضلال عن الحقِّ في الدُّنيا، ونيرانٍ في الآخرةِ. وقولُه تعالَى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} إلخ منصوبٌ إمَّا بما يُفهمُ من قولِه تعالَى في ضلالٍ أي كائنونَ في ضلالٍ وسعرٍ يومَ يجرونَ {فِى النار على وُجُوهِهِمْ} وإما بقول مقدر بعده أي يوم يسحبون يقال لهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} أي قاسُوا حرَّها وألمَها. وسقرُ علمُ جهنَّم ولذلكَ لم يُصرفْ منْ سقرتْهُ النارُ وصقرتْهُ إذا لوَّحتْهُ. والقولُ المقدرُ على الوجهِ الأولِ حالٌ من ضميرِ يسحبونَ. {إِنَّا كُلَّ شَىْء} من الأشياءِ {خلقناه بِقَدَرٍ} أي ملتبساً بقدرٍ معينٍ اقتضْتُه الحكمةُ التي عليَها يدورُ أمرُ التكوينِ أو مقدراً مكتوباً في اللوحِ قبلَ وقوعِه. وكلَّ شيءٍ منصوبٌ بفعلٍ يفسرُه ما بعَدُه وقرئ بالرفعِ على أنَّه مبتدأٌ وخلقناهُ خبرُهُ.


{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة} أي كلمةٌ واحدةٌ سريعةُ التكوينِ وهُو قولُه تعالَى كُنْ أو إلا فعلةٌ واحدةٌ هو الإيجادُ بلا معالجةٍ {كَلَمْحٍ بالبصر} في اليُسرِ والسرعةِ وقيلَ: معناهُ قولُه تعالَى: {وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم} أي أشباهَكُم في الكفرِ من الأممِ وقيل: أتباعَكُم {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يتعظُ بذلكَ {وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ} من الكفرِ والمعاصِي مكتوبٌ على التفصيلِ {فِى الزبر} أي في ديوانِ الحفظةِ {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمالِ {مُّسْتَطَرٌ} مسطورٌ في اللوحِ المحفوظِ بتفاصيلِه، ولما كانَ بيانُ سوءِ حالِ الكفرةِ بقولِه تعالى {إِنَّ المجرمين} إلخ مِمَّا يستدعِي بيانَ حُسنِ حالِ المؤمنينَ ليتكافأَ الترهيبُ والترغيبُ بيّن ما لَهُم من حسنِ الحالِ بطريقِ الإجمالِ فقيلَ: {إِنَّ المتقين} بالإيمانِ أي منَ الكفرِ والمعاصِي {فِي جنات} عظيمةِ الشأنِ {وَنَهَرٍ} أي أنهارٍ. كذلكَ والإفرادُ للاكتفاءِ باسمِ الجنسِ مراعاةً للفواصلِ، وقرئ: {نُهْرٍ} جمعُ نَهَرٍ كأُسْدٍ وأَسدٍ {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مكانٍ مرضيَ وقرئ: {في مقاعدِ صدقٍ} {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} أي مقربينَ عند مليكٍ لا يُقادَرُ قدرُ ملكِه وسلطانِه فلا شيءَ إلاَّ وهو تحتَ ملكوتِه سبحانَهُ ما أعظمَ شأنَهُ.
عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ القمرِ في كلِّ غِبَ بعثَهُ الله تعالى يومَ القيامةِ ووجهُه مثلُ القمرِ ليلةَ البدرِ».

1 | 2 | 3